( من أسباب الغلو فى التكفير واستباحة الدماء )
*.* الثقة المفرطة ببعض الأشخاص أو التيارات أو الجماعات التي يعتقد الشخص أنها على الحق، فيقبل كل ما عندها بلا تمييز لأنه يراها قد بلغت من الديانة والثقة مبلغاً لا يمكن أن تقع معه في بعض الأخطاء اليسيرة، فضلاً عن مثل هذه الجرائم المروعة، فالنقد الشديد الموجه لهذه الجزئيات يطالبه بضرورة العودة للأصول والكليات؛ لا يحرك فيه ساكناً؛ لأنه يرى أن الشخص الفلاني أو الجماعة الفلانية قد رأت هذا الموقف وهي أعلم وأتقى وأفضل فلا يمكن أن تكون أفعالها مخالفة لهذه الأصول، فيبقى هو مؤمناً بالأصل نظرياً، ومعطلاً له عملياً، لأنه مقلد لغيره، وهذا من التقليد المذموم الذي لا يعذر فيه الإنسان، فالواجب عليه أن يحاكم الجميع إلى الشرع، وحين يأتي المقتول بدمه يحاججك أمام الله فلن ينفعك أن تقول قال لي فلان إنه مباح الدم أو أمرني الأمير أن أقتله، فهذا التقليد الأعمى هو من جنس تقليد الكفار في رد ما جاءت به الرسل: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٣].

*.* تأثير الخصومات والنزاعات التي تجري بين الأحزاب والجماعات على الأحكام والأوصاف الشرعية، فبدلاً من أن ترد الخلافات إلى كتاب الله، وأن تكون الشريعة هي الحكم بين المختلفين، حتى تكون الأصول ضابطة للتصرفات، وتحاكم التطبيقات للكليات؛ يتحول الموضوع عند بعض الناس إلى نزاع مع جماعات أو أحزاب أو أفكار، فيكون موقفه تابعاً للموقف الحزبي لجماعته ولمواقفها مع الجماعات الأخرى، حتى ما عاد يستحضر قيماً شرعية وأحكاماً تمس كل فرد بغض النظر عن جماعته، وإنما أصبح ينظر لأفرادهم بحسب الموقف الحزبي للجماعة، بما جعل الأصول الشرعية متعطلة غير نافذة مع غلبة المزاج الحزبي.

يتحدث بعضهم - بكل برود - مبرراً حادثة قتل: بأن هؤلاء مشروع صحوات مستقبلاً!
هب أنهم سيكونون كذلك، هل في الشريعة ما يجيز لك قتل من تظن أنه سيكفر لاحقاً؟

ويتحدث آخر عن أن جماعته تمتلك مشروعاً يحاربه الشرق والغرب، وأنه يدافع عن مشروع إسلامي ضد المعتدين، فهب أن هذا كان كذلك فهل هذا يعطيك صكاً شرعياً لتبيح دماء من شئت ممن تراهم خطراً عليك!

وهكذا يتحول الموضوع إلى صراع حزبي يكون فيه الحزب هو الإسلام، فمن حاربه فهو محارب للإسلام مباح الدم، ومن كان مع الحزب فهو المؤمن الموحد المجاهد، ومن كان خارجه فإن لم يكن كافراً مرتداً فلعله لا يكون بعيداً عن الردة، وإن كان بالضرورة لا يقول هذا نظرياً لكنه في الجانب العملي يسير على هذه الكيفية.

الخصومة الحزبية تعمي الشخص عن الواجب الشرعي قبل نسبة أحد إلى قول أو فعلٍ كفري، فقد يكون الفعل أو القول كفراً لا شك فيه، إنما قبل أن تنزله على أحد من الناس لا بد أن تكون لديك دلائل قطعية تثبت ذلك، غير أن الخصومة الحزبية تعمي فئة من الناس فتغيب كل المعايير البدهية للتثبت فيكون من السهل جداً أن يكفر شخصاً وربما جماعة بل تياراً واسعاً من الناس بناءً على خبر في صحيفة غربية قرأها على الشبكة الاجتماعية ومن ترجمة لا يدري حتى ما مصدرها! وحين يطالب بالإثبات العلمي الذي يتطلب دقة موضوعية ومنهجية فإنه يبدأ بسرد ما يفعله هذا التيار وما تقع فيه هذه الجماعة، بما يعني أن الإشكال الحزبي والصراع مع الجماعات كان هو الدافع الأكبر للتكفير بما خفف من وسائل الإثبات فأصبح يبحث بعدها عن أي شيء ليستند إليه.

جزء من مقال د فهد العجلان : الغلو في التكفير واستباحة الدماء