إن حضارات الأمم تقاس بمدى رعايتها للضعفاء , والمريض النفسي هو أحد الضعفاء خاصة حين يفقد القدرة على إدارة حياته ويعجز عن التكيف مع الظروف المحيطة به بسبب مرضه , وما هان مستضعفوا أمة على أقويائها إلا وهانت كل الأمة . طبيعة المرض النفسى وتأثير ذلك على حقوق المريض :


يختلف المرض النفسى عن غيره من الأمراض حيث يؤثر على وظائف مهمة مثل الوعى والإدراك والتمييز والتفكير والإرادة والحكم على الأمور والإستبصار والقدرة على اتخاذ القرار , والحالة الوجدانية , والسلوك وهذه الوظائف تتأثر بدرجات متفاوتة طبقا للحالة المرضية الموجودة , حيث يزداد الإضطراب فى الحالات الذهانية بشكل واضح ومؤثر , وهذا يستدعى تدخل الأسرة وأحيانا المجتمع بهدف الرعاية , وأحيانا الحماية وربما الوصاية المؤقتة أو الدائمة , وقد يبالغ الأهل أو المجتمع فى الحماية أو الوصاية بشكل يؤثر على حقوق المريض النفسى كإنسان , حيث يتحول الأمر من جانبهم إلى نوع من السيطرة والإستبداد والقمع تحت ستار المرض النفسى .
وقد يحدث عكس ذلك فيتعرض المريض للإهمال أو النبذ أو الوصم أو الإيذاء , وأحيانا يتعرض للقتل دون ذنب جناه.
والمرض النفسى له مستويات متعددة , وينتج عن عوامل متشابكة منها الجسدى والنفسى والإجتماعى والدينى , والنظرة لهذا المرض وبالتالى التعامل معه يتأثران بالعوامل الثقافية والعادات والتقاليد , لذا وجب الإحاطة بكل هذه العوامل ووضعها فى الإعتبار حين نتعامل مع المريض النفسى على المستوى العائلى أو المجتمعى أو الطبى أو القانونى .
من هنا نشطت فى العالم كله دعوات للمحافظة على حقوق المريض الذى فقد بعضا من وظائفه المعرفية أو اضطربت وظائفه الوجدانية والسلوكية .

******
تاريخ مضئ وحاضر ملتبس :
اهتم قدماء المصريين برعاية المرضى النفسيين والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم , ويظهر ذلك فى الكثير من البرديات والآثار التى تركوها
ونظر أبقراط إلى الأمراض النفسية نظرة موضوعية , وذكر أنها لا تختلف عن الأمراض العضوية , ونفى الإعتقاد بقدسيتها وغموضها , وذلك ليواجه الخرافات التى كانت سائدة فى عصور الظلام والتى كانت ترى أن المرض النفسى تسببه أرواح شريرة ويقومون بضرب المريض وإيذائه لإخراج هذه الأرواح .
وفى الوقت الذى كان المريض النفسي يعامل بقسوة فى أوروبا فيربط بالجنازير ويضرب ويحرق بالنار , قام الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك بتأسيس أول بيمارستان للمرضى العقليين بدمشق سنة 93 ه (707 م) , وكانت تخصص لهم جرايات تنفق عليهم للعيش داخل البيمارستان وخارجه . وفى سنة 151 ه (765م) أسس العباسيون فى بغداد أول قسم مخصص للأمراض العقلية , ثم نسجت على منواله جميع العواصم الإسلامية فى الشرق والغرب ,