موسوعة شاملة عن البرتغال 2938516774







للبرتغال خواص فريدة من نواحٍ عديدة، فتلك الدولة الأوروبية كانت إمبراطورية وصلت إلى أقاصي الكرة الأرضية قبل قرون. وصدّر شعبها البالغ عدده قرابة عشرة ملايين لغةً لم يكن يتوقع أن تصبح خامس أكثر لغة محكية في العالم.
وفضلاً عن ذلك، فإن البرتغال تشكل خاصرة القارة العجوز الغربية، إذ إن ما بعدها «بحر الظلمات».
كما كان يعرّف العرب المحيط الأطلسي. فيها ستلمس حميمية شرق أوسطية في الترحاب بالغريب، وستتذوق أطايب طعام منطقة البحر المتوسط، وتشاهد كيف تمتزج أصالة الحضارة العتيقة بحداثة أوروبا في القرن الحادي والعشرين، وتتنفس هواءً عليلاً في رحاب كرومها الغنّاء، وتداعب مسامعك خرير مياه الأنهار والبحر والمحيط، التي تحاط بالبلاد التي تكمل مع إسبانيا شبه جزيرة ليبريا، فتشعر بحق بأنك في أرض الحواس الخمس.
 موسوعة شاملة عن البرتغال 2259182978العاصمة لشبونة
الزيارة إلى البرتغال تبدأ في العاصمة لشبونة، تلك المدينة العريقة التي تؤكد لك شوارعها أنك في وطنك وبين أهلك. فمنذ وصولك إلى مطار لشبونة، الذي تصله طيران الإمارات برحلات مباشرة من دبي، تستقبلك ابتسامات دافئة يزيدها أناقة إحساس فوري بعبق المكان، ويكاد المرء يُحار من أين يبدأ رحلته في لشبونة لكثرة المواقع التي تتنافس على جذب الزوار إليها.
سيكون حي «ألفاما» مناسباً جداً لاستكشاف المدينة، فهذا الحي هو الأقدم في العاصمة البرتغالية ومشهور بتعرجاته وأزقته الضيقة، التي تكاد لا تتسع لسيارة واحدة، وشوارعه المرصفة على الطريقة القديمة، كما في الكثير من المدن العربية، بل إن كلمة «ألفاما» نفسها أخذت من كلمة «الحمة» باللغة العربية أي عين الماء. وهي ليست الكلمة الوحيدة المشتركة التي تدل على التاريخ المتشابك، بل إن كلمة زيتون بالعربية تقابلها «أزاتون» بالبرتغالية.
في الحي، بإمكانك التجول على الأقدام والاستمتاع بمجاورة التاريخ من خلال مشاهدة الأبنية القديمة والتريض عبر السير فيه، خاصة أنه معروف بطوالعه ونوازله، وكأنه جبل شاهق وسط المدينة. وفي «ألفاما» العديد من المطاعم التقليدية والمتاجر التي تبيع التحف والهدايا التذكارية، وبأسعار منافسة على غير العادة في العديد من الدول الأوروبية، وهو سبب إضافي يجعل من لشبونة والبرتغال عموماً وجهةً مفضلةً.
موسيقى «ألفادو»
لكن أكثر ما يميز الحي هو حانات «ألفادو» المنتشرة فيه بكثرة. و«ألفادو» تعني بالبرتغالية «القدر»، وهو نوع من الموسيقى يرجع ظهوره إلى أوائل القرن التاسع عشر. وتتميز موسيقاه بالألحان والكلمات الحزينة، وهي غالباً ما تتحدث عن البحر والفقر والحب، مشوبة بألحان تستجلب الحنين ومصوغة بطريقة فيها الشيء الكثير من الشجن.
ويرى الخبراء أن «ألفادو» هي مزيج من موسيقى الرقيق الأفارقة مع ألحان برتغالية بنكهة عربية. ولا تزال هذه الموسيقى تحظى بشعبية كبيرة في العاصمة البرتغالية حتى يومنا هذا، وتم تخليدها رسمياً حين أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم «اليونيسكو» العام 2011 على قائمة التراث الثقافي العالمي.
وتعتمد هذه الموسيقى على عزف بضعة أشخاص على الغيتار مع غناء حزين يؤلم القلب؛ وهي تُعد تقليداً وإحساساً بالحياة، من يقترب منها يعرف العديد من خبايا الحياة عن لشبونة وساكنيها. وفي منطقة بيليم الواقعة عند الطرف الغربي للعاصمة البرتغالية، لا يفوت الزائرين مشاهدة نصب تذكاري للمستكشفين البرتغاليين، مثل فاسكو داغاما.
وفي «ألفاما»، ليس هناك أفضل من قضاء أمسية بسيطة على ألحان «ألفادو»، حيث يعرض هواة إمكاناتهم في هذه الموسيقى في حانات صغيرة مملوءة بالزوار الذين يتراقصون على أنغامها، كل يتذكر حبيبة سابقة أو مغامرة بحرية رواها لهم الأجداد، وسط أجواء طقوسية يجب أن تحترم من قبيل أن يبدأ العرض فقط عندما تخفت الأضواء، على أن يسود الصمت، ويكف الجميع عن الأحاديث الجانبية أو الاستمرار في تناول الطعام بعد بدء فنان «ألفادو» الغناء.
حي «شيادو»
وفي لشبونة أيضاً، لا تكتمل الزيارة من دون تفقد حي «شيادو» الذي تعرض إلى حريقٍ هائل في 1988، ما لبث أن دفع بلدية العاصمة البرتغالية إلى إعادة ترميمه، وبث الحياة فيه من جديد، فهذا الحي مكون من متاجر التجزئة الفاخرة صاحبة العلامات التجارية العالمية، من جهة، والمطاعم والمحلات التراثية والمتاحف والمسارح، من جهة أخرى. وهذا المزيج ما يعطي للحي لوناً مختلفاً لقدرته على تلبية كافة الأذواق والرغبات. ومن أشهر الوجهات فيه «المقهى البرازيلي» أو «آبرازيليرا» الذي بني منتصف القرن التاسع عشر، وتكاد مهمة العثور على طاولة فارغة فيه مهمة مستحيلة.
وكان الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا، وهو واحد من أهم الشخصيات الأدبية في القرن العشرين، من رواد المقهى، الذي كرمه بأن احتفظ له بتمثال، وهو يجلس على طاولته نوعٍاً من التقدير غير المسبوق، ولأن البرتغال استعمرت البرازيل، وأورثتها لغتها، فإن التأثيرات الثقافية البرازيلية لا تقتصر على «آبرازيليرا» في حي «شيادو» فحسب، بل في انتشار مطاعم «تشوارسكو» أيضاً.
و«تشوارسكو» هي طريقة شواء تقليدية من جنوب البرازيل، نشأت على أيدي السكان المحليين لهذه المنطقة منذ أعوام عديدة. ومن أغرب التقاليد التي تصاحب عشاء «تشوارسكو» هو أنه يقدم لكل ضيف في بداية المساء قطعتي خشب دائريتين ملونتين، واحدة حمراء، والأخرى خضراء، حيث يشير الضيف بالقطعة الخضراء إلى أنه يريد أن يستمر في تقطيع اللحم، وبالقطعة الحمراء للتوقف عن التقطيع.
مدينة بورتو
وبعد لشبونة، تأتي بورتو ثاني أكبر مدينة في البرتغال وإحدى أقدم وأجمل المدن في جنوب أوروبا، لما تتمتع به من طقس متوسطي معتدل، وموقع جغرافي مهم على ضفتي نهر «دورو» والمحيط الأطلسي. ولذا، لا تخطئ العين مطاعم المآكل البحرية والدكاكين القديمة، التي تبيع التذكارات والملابس، التي تمكّن الزبون من أن يحصل على تخفيضات لما يشتريه فيها عبر المساومة.
هناك من يقول إن اسم البرتغال مستوحى من اسم المدينة اللاتيني «بورتوس غال». وهي وصفت على الدوام بأنها مركز تجاري وصناعي وثقافي كبير شمالي البرتغال، وتحديداً في القطاع الزراعي..
حيث أسهم النهر بنقل البضائع من القرى والبلدات المجاورة إلى الخط الساحلي عبر المدينة منذ قديم الزمان. يمكنك القيام بجولة بالقارب في النهر والاستمتاع بمشاهدة البيوت الملونة والمحلات والأسواق والخُضرة البهية في لوحة مرسومة بعناية مصبوغة بروعة التقاء النهر بالمحيط والقوارب الشراعية التي تحلق بعيداً بحثاً عن الجديد.
وقد لا تكون حقيقة جمع المدينة نهراً ومحيطاً وأبنية تعود إلى مئات الأعوام في الحي القديم، وأخرى على الطراز العصري في ساحاتها الحديثة ومسارح ومتاحف ومطاعم وأماكن سمر، أمراً غريباً حقاً إن عرفنا أنها اختيرت عاصمة أوروبا الثقافية في 2001.
وتحتضن بورتو قصر الموسيقى، أو ما يعرف بـ«كاسا دا موزيكا»، ومسرح «الريفولي»، وهي أيضاً مهد المهرجان السينمائي الدولي السنوي المعروف «فانتاسبورتو»، الذي يستقطب الكثير من مشاهير الفن السابع المحليين والدوليين.
كما تضم كذلك متحف «ناشونال ميوزيام سواريس دوس ريس» المسخّر للفن البرتغالي الحديث بين القرنين السابع عشر، والواحد والعشرين ومكتبة «ليلو» التي تقع وسط المدينة، وصنفت ثالث أقدم وأهم مكتبة في العالم، حيث بنيت العام 1869.
ومن ألقاب بورتو أنها «مدينة الجسور» وأشهرها «جسر لويس الأول» الذي يوفر للسائرين فوقه فرصة نادرة، لالتقاط أجمل الصور للنهر والمنطقة المحيطة أو بالعكس، أي القيام بجولة شاعرية في القارب ورؤية المناظر الجميلة والمرور تحت الجسر الذي يظهر في الأعلى بشكلٍ مهيب يأسر الألباب، لكن بورتو، وإن تعددت ألقابها، تبقى مشهورة بنبيذها المسمى باسمها، الذي وضعها في الرقم واحد على لائحة عواصم إنتاج النبيذ في العالم.
محاسن وفوائد
يصعب تعداد محاسن البرتغال وفوائد زيارتها إليها، ففيها، يمكن للمرء أن يسافر عبر التاريخ، ويستمتع بحضارة القرن الحادي والعشرين ويلمس كرم ضيافة شعبها البسيط ويتذوق أطايب الطعام ويزور آخر نقطة برية في غرب أوروبا، وينطلق منها إلى القارتين الأميركية والأفريقية، لقربها منهما، ولكن شيئاً واحداً سيبقى دوماً في مخيلته.. وهو ابتسامة البرتغاليين التي لا تفارق محياهم، حتى استحقوا أن يطلق على وطنهم لقب «بلد الألف ابتسامة».
رأس الصخرة.. آخر نقطة غرب أوروبا
وغير بعيد عن العاصمة البرتغالية، حوالي 45 دقيقة بالسيارة، تقع لؤلؤة تعج بالمعالم الأثرية، وتحتفي فيها الطبيعة الخلابة بجمالها اسمها سنترا. والمدينة خلدت اسمها على قائمة «اليونيسكو» لمواقع التراث العالمي بسبب القصور الخمسة الموجودة فيها، إضافة إلى القلاع والحصون والأوابد الإسلامية التي تشير بالبنان إلى عمق العلاقات بين البرتغاليين والمسلمين منذ مئات الأعوام.
ويعتبر قصر «بالاسيو دا بينا» من أهم المعالم السياحية في سنترا، ويرحل بزائريه إلى التاريخ السحيق، محافظاً على طابعه وخصائصه التي، بالكاد، تغيرت. ولا يمكن زيارة سنترا من دون التعريج على منطقة «كابو دا روكا»، أو «رأس الصخرة»، وهي أحد فروع جبال سنترا، الممتد سلسلتها حتى المحيط الأطلسي. والوصول إلى «كابو دا روكا» أمر قد لا يحدث إلا مرة واحدة في العمر.
كيف لا وهي أقصى نقطة غربية في قارة أوروبا، ويعطى زائرها شهادة مختومة تحمل اسمه، توثق أنه كان في حضرة آخر الأمتار البرية للقارة العجوز. إن رؤية منارة الجرف الصخري وهي تطل على المحيط الأطلسي، وكأنها ترنو بنظرها إلى الأفق البعيد تنتظر المجهول..
بينما يداعب نسيم المحيط الوجه، لا يمكن إلا أن يثير الكثير من العواطف الجياشة لدى الزائر، خاصة إن تذكر دعابة البرتغاليين عن مدى قرب بلادهم من الولايات المتحدة، التي تقول إنه بإمكانك رؤية تمثال الحرية في يوم مشرق من «كابو دا روكا».
ييتمان»
للاستمتاع بالإقامة في بورتو، لا بد من الحجز في فندق «ييتمان» الفاخر المصمم بطريقة فريدة، فالبهو يحتوي على مكتبة قراءة ومطاعم تلبي كافة الأذواق، وإطلالة بانورامية على النهر، فضلاً عن خاصية تسمية كل غرفة من غرفه الواسعة باسم مختلف مستوحى من تقاليد المدينة.