حارتنا المتركزة وسط المدينة , جارة وادي بطحان , أقدم أحيائها و أكثرها ضوضاء .
تعرف مدينة السراب مكانة حارة التاسعة حسب جدتها. الحارات الجديدة أو المطورة ,
التي كانت فيما مضى مزارع و أحراش ملحقة بالمدينة , ترعبها الحارة, مصدر القلاقل ,
فساد أهلها ورائحة المياه الآسنة و الطرق الملتوية , حتى صارت ملحة السمار. يرددها الكبار ,
يجيرونها لحساب صاحب النكتة الأعظم في حينا أبو فله .
- يحتاج الداخل حارتنا حبلا يربطه عند مدخلها ليخرج منها سالما لا في بطن الوادي.
أما الحارات القديمة , ملاصقة حارتنا , فما زال للمعانها الآفل بريق بأعينهم .
منذ زمن قبل اختفاء الساعة التاسعة , كان لحارتنا صدر مجلس المدينة ,
يئمها الوالي و يسكنها التجار و الأعيان , تحيطها مزارع نخيل و زروع أخرى ,
يسقيها الوادي من قريب كأبن . شوارعها لم تكن كما هي الآن , فسيحة واسعه ,
يغطي بيوتها حجر و رواشن , مساحتها تعتمد على دخل الأسرة ,
بالمجمل كانت جيدة , بقي منها إلى الآن بيت سفران كدمعة نبكيها جميعا لزمن لملم أحلامنا ورحل.
لم يعد للساعة التاسعة في حارتنا وجود, كان هذا الحدث الأبرز لسنوات وما زال .
قبل اختفاء الساعة التاسعة كانت الحارة تهوي وبعد الاختفاء وصلت لجة القرار .
الآن لم يعد للتاسعة وجود في حارتنا دون غيرها , هذا ما حدث .
تمشي عقارب الساعة بتؤدة إلى أن تشارف التاسعة , تتجاوزها وتكمل من العاشرة .
المصيبة ليست هنا ولكن ما يحدث خلال التاسعة لا نذكره و لا نعلم عنه إلا ما نرى آثاره .
حملت التاسعة أكثر مما تحتمل . كل الكوارث تحدث في التاسعة .
سرقات قتل نهب اغتصاب خطف تدمير و اختلاط حديثي الولادة و أمور أخرى أشد .
ولا أحد يتذكر . قبل التاسعة بدقيقة نكون بمكان ما ,
تمر الدقيقة وتحل العاشرة ليجد كل أفراد حارتنا أنفسهم بمكان آخر لا يعرفون كيف جاءوا و لا من أين أتوا
. ساعة كاملة في التيه , يبحر الجميع في اللاوعي
. كثيرا ما تحدث بعد التاسعة مشاحنات تطلق اللعنات تعمل الأيادي و تفور الدماء ,
ولا أحد يتذكر . ربما كان أخطرها ما حدث لزوجة الشيخ عيد . بعد النكبة بأيام ,
وجدت فطيمة الساعة العاشرة غارقه بنِّزَّها, مباعدة بين فخذيها , ينَّزُّ دم بكارتها ,
وغير بعيد عنها سعدون الفتى العشريني متلبس عضوه المنتصب بمائهما ,
 
أطبق الحضور عليهما . استدعي الشيخ عيد ,
يمشي على مهل مرتديا ثوبا أبيضا ,حاسر الرأس عيناه تكاد تخرجان من محجرهما ,
رأى بعينه جرم زوجته , بهدوء غير متوقع سحب زوجته ورحل . صوت رجائها آخر ما وصل للجمع ,
كانت تقسم على أنها لا تذكر ما حدث ولا كيف حدث .
في الغد عند التوقيت نفسه , وجدت فطيمه مبقورة بطنها عند فرجها , أَنَزَّت الأرض دم بكارتها الأحمر القاني سال بطول شارع الحارة الكبير ,
قيد رجل الشيخ عيد عند مدخل الحارة , لم يستطع الفكاك وبيده ساطور يمطر دما .
فعل الجمع ما تعودوا عليه , تحلقوا حول الشيخ , حاول خمسة رجال استخلاصه ما استطاعوا ,
صراخ الشيخ و همهماته لا تتوقف ولا تبين . لا يذكر أحد من قال أسم سعدون , تحرك جمع بحثا , كانت جثته ملقاه بأرض بيتهم ,
مبقور البطن , مبتور عضوه , ما إن رأته أعينهم , حرر الدم قدم الشيخ ينوي صاحبته.
سأل الشيخ عن ما حدث لسعدون , زاغت عيناه وهوى أرضا , حين أفاق تتذكر الحارة ما قال:
- أقسم بالله لم أفعل ولم أنوي على فعل شيء , ولو نويت لفعلته بالأمس ,
أقسم أني سرحت زوجتي وأوصلتها بيدي لبيت أهلها , فقد سامحتها لأنها صبرت علي , فأنا عنين , أقسم .
أغشي عليه ثانية , حين أفاق صار المجنون عيد . سامحوه مكتفين بالعقوبة الربانية ,
هزت الكارثة الحارة , ما حدث لفطيمه وسعدون وأخيرا ما يرون من حال الشيخ عيد.
فسرت كلمه الشيخ عيد الأخيرة فعلت فطيمة ,. تحملت فطيمة ما اكتشفته ليلة زواجها عشرين عاما .
أخوتها بدورهم شهدوا للشيخ ارجاع أختهم .
ولأحداث أخرى لا تقل غموضا فسرت الحارة ما حدث . في الساعة التاسعة تحرك النوى أهلها.
سببت آثار الاختفاء هلع في القلوب , كانوا يهربون من ذكر السبب ,
لربما لحقت ساعة أختها . ومع مرور الأيام تلبس السبب ثوب الأثر ,
لكنه لم يختفي بل توارى , إلى أن تناسل , وعاد مع جيل ولد بعد الكارثة يسأل عن السبب دون خوف من أثر عايشه واعتاد وجوده .
 
كنت وهتان نطارد السبب منذ الصغر كمثل البقيه , نسأل آبائنا فلا نجد أجابه شافية .
والدي قال حين سألته قبل التاسعة بخمس دقائق .
- يا ولدي لا زلت في العاشرة سوف تعرف عندما تكبر .
بهذا المنوال تكون أجابه أهلنا , لا نعلم إن كانوا يعرفون ويخفون أم لا يعرفون ويخفون .
مع كلا الوجهين لم نستسلم .
إلى أن جاء ذلك اليوم , رجل كهل شعره أبيض أكثر مما يتحمله زمن ,
مع تجاعيد وجهه لا يكاد فمه و عيناه تبينان, صوته كصرير باب قديم.
عرفنا فيما بعد أنه شقيق فطيمة .هجر الحارة بعد الحادثة , ذاق طعم التاسعة هناك,
عاش دقائقها, مذهلة ورائعة كما وصفها , لم يكن يهمنا طعم ونكهة التاسعة بقدر سبب اختفائها . حكى قصتين لاختفاء التاسعة .
في القديم , قبل الاختفاء , زار ضيف رجلا صالحا وأسمه صالح .
جاء من مدينة بعيدة , يقال أنها تقع خلف بحر كبير , أراد صالح إكرام الضيف لكنه أبى و أصر ألا يذبح ويكتفي بالبروست .
أكتفى المضيف بهز رأسه , أسرع لأكبر ابناءه عبدالله ,
سأله عن البروست إن كان يعرفه. خاف عبدالله وأقسم بالله ثلاثا أنه لم يره و لم يلمسه ,
ضنا منه بأن البروست أمر مخل بالآداب . طلب صالح أبن عمه يسأله عن سابق الذكر . أجاب علي.
- أذكر قبل خمسة أشهر أتى صديق لنا بالبروست من أطراف المدينة , لكن لا أعرف المكان بالتحديد.
أنطلق علي و عبدالله الساعة السادسة خلف البروست , وعند التاسعة دخلوا الحارة بالتزامن مع نواف,
 
ومن يومها اختفت الساعة التاسعة .صحيح أن صالحا لم يستوعب كون البروست دجاج بطريقة أخرى ,
على العكس منه أهل بيته فقد كان يوما لا ينسى بحارتنا , أغلق ابناء صالح الباب على أنفسهم فرحين بما جلبه أخاهم ,
وعيون الحارة تتمنى رؤيه البروست ولو من بعيد , قبل أن يقسمهم خبر ثان .
و نواف هذا , أول طالب جامعي بحارتنا , في ذلك اليوم كان عائدا من مدينة الحمام ,
جالبا معه لأخوته هامبرجر . أمسك والده قطعه اللحم , وسأل مرارا عن الاسم , وفي كل مره يجيب نواف , لتسأل الأم
- أتأكلون البرقع؟
أسكتها أبو نواف و سأل بحزم .
- أهذا لحم خنزير يا نواف , جاوب ولا تخف؟
شرح نواف لأهله , طريقه تكوين الهامبرجر . لم يقتنع كثيرا أبو نواف بقول ولده .
وارى الهامبرجر التراب . خشي أن يرميه فتأكله الكلاب ويتحمل وزرها.
- ومن بعدها يا أبنائي اختفت الساعة التاسعة .